مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

خطبة حطامة في دار النفاق

قيم هذه المقالة
(1 Vote)
Print Friendly, PDF & Email

وفي يومٍ قائظ الحرارة، كان حطامة ابن الأغبر راكباً على بغلته (ضيومة) وقد ركبت خلفهُ المكرودة بنت المظلوم، فلما مرّا في سوق الوحيلات بالحبيبية، نادى عليه رجلٌ وقال:

يا حطامة، نراك تحدثت عن المليشيات، ولم تتحدث عن دا$ش..
فسكت حطامةَ ومضى..

ثم إنه سار بالبغلة في سوق الأعظمية، فناداه أحدهم وقال:
يا حطامة، نرى صوتك يعلو على دا$ش، ولا تتحدث عن المليشيات؟
فسكت حطامة ومضى..

ثم دخل رمادية الأنبار، فصاح وراءه رجل:
يا حطامة، نراك تتحدث عن نجد والحجاز، فمالك لا تذكر بلاد فارس بسوء؟
فسكت حطامة ومضى.

ثم انه دخل النجف، فناداه رجل وقال:
يا حطامة، نرى صوتك يعلو على بلادِ فارس، ولم يعلُ على نجدَ والحجاز؟
فسكت ابن الأغبر كاتماً غيظه ومضى.

فما زال كذلك، حتى عاد لبغداد، وكانت مدخنةً معطبة، قطعت بها الجسور، وخشيت رصاصها الهوامَ والطيور، فوقف في ساحة التحرير، وتقاطر من حوله الجمع الغفير، وبعد إن حمد الله وأثنى عليه قال:

أما بعد..
فيا أيها الناس، أأنتم حولان؟ أم بدلت ادمغتكم بالأتبان؟ فلا زالت كذلك حتى نسيتم ماكان مني في هذه وتلك، والله، لقد اصبتم بالأمراض أشدها، وبالمشاكلِ أمرّها، وبالشكوك أسوأها، وبالظنون أشرّها، فلا تفهمون إنَّ امرءاً مثلي منحه الله لساناً لافظاً وقلباً حافظاً لا تساوي لديه الجيوش الالكترونيةُ والسفارات والمال والرشوى غير عفطةَ عنزٍ على شط الفرات..

أيها الناس، من كان بقلبهِ مرضٌ من ابن الأغبر فليقل، فإن نفاقكم أزكم الأنوف، وإن ما بصدوركم من غلٍّ أضاق النفوس، هجوت الحجازيين فقلتم لم تهجِ فارس، فهجوتُ فارساً فقلتم لم تهجُ الحجاز، ألا إنّكم بشيعتكم وسنتكم تريدونني أن أسايركم على ضلالكم وسقمكم، فإن سايرتكم هللتم وفرحتم، وإن نصحتكم هاجمتم وامتعضتم، وواللهِ لن أساير سرائركم المريضةَ إلا بما يشفيها، وإن الدواء لمر، وإن اللَدَّ لحنظل، فإمّا أن تحتملوهُ مني، وإما ان اعتكفَ بداري فلا شأن لي بكم، ولكن المصيبةَ أنكم تغرقون السفينة التي فيها الأخيار، وتهدمون بأيديكم من حماكم من الأسوار..

ألا لا سمعَ لكم لأحد ولو نزل من فوقِ عرش الله، وما حكى لكم ناصحٌ إلا أعليتم اصواتكم بالشقاق والجدال، ألسنتكم طويلة، وآذانكم مصمومة، وقلوبكم مع المرء حتى ان جادلكم انقلبتم ضده، تحكون ضعف ما تسمعون، وتسمعون ما تريدون لا ما لا تريدون، خُتِمَ على قلوبكم بقفل السادة والتيجان، وغلفت أفئدتكم بحكم الطوائف والأديان، فما إن استبشرتُ بصحوتكم خيراً حتى عدتم سيرتكم الأولى أو اشد سوءا..

من أراد أن يسمع فليصمت، ومن أراد أن يقولَ فليوجز، ومن أرادهما معاً فليتفكر..

ولما أدار بغلته مولياً لهم ظهره، سمع أحدهم يقول:
نريدُ وطناً يا حطامة..

فنظر له وقال:
لولاكم لكان.

 

لبديع الزمان
#رسلي_المالكي

___________________________________________

 
 
 

معلومات إضافية

القراءات 50 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 67308

حاليا يوجد 4 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions